وهم المشاعر: خدعة اخترعها العقل هروبًا من الفراغ
وهم المشاعر: خدعة اخترعها العقل هروبًا من الفراغ
"حين يخاف العقل من اللاشيء، يخلق شيئًا ليشعر أنه ما زال حيًا… فيخلق المشاعر."
منذ بدأ الإنسان في إدراك نفسه والعالم من حوله، ظهرت لديه حاجة غريزية للشعور.
شعور بالانتماء، بالحزن، بالحب، بالخوف، بالفرح… لكنه لم يتوقف يومًا ليسأل: من أين جاءت هذه المشاعر؟ وهل هي حقيقية فعلًا، أم أنها آلية دفاع عقلي ضد الصمت الداخلي؟
في هذه النظرية، يتم تناول المشاعر على أنها ليست كيانًا حقيقيًا، بل اختراعًا عقليًا تطوريًا نشأ لحماية الكائن الواعي من الفراغ النفسي.
العقل، حين يواجه العدم، يخلق المعنى، يخلق الإحساس، يخلق الألم، يخلق الفرح… فقط ليبقى مشغولًا، ليشعر بأنه موجود.
في اللحظة التي يدرك فيها الإنسان أنه وحيد في عالم لا يملك إجابة نهائية لأي شيء، تبدأ المشاعر بالظهور.
هي ليست تعبيرًا عن حقيقة داخلية بقدر ما هي محاولة لتفسير الغموض، وللسيطرة على الفوضى.
وهكذا، بدل أن ينهار العقل أمام هذا الفراغ، يتشبث بمشاعر وهمية تمنحه شعورًا زائفًا بالتماسك.
لكن لماذا ارتبطت هذه المشاعر بتصرفات جسدية محددة؟
لماذا يُعبّر عن الحزن بالبكاء؟
ولماذا يقترن الفرح بالضحك؟
هل هذه الاستجابات ثابتة بيولوجيًا؟ أم أنها موروثات اجتماعية تحولت بمرور الوقت إلى "لغة جسدية" مفروضة؟
علميًا، تُظهر دراسات علم النفس العصبي أن المشاعر ناتجة عن تفاعلات معقّدة بين الدماغ والجهاز العصبي والغدد الصماء.
فالعاطفة ليست شيئًا ملموسًا، بل هي ناتج تفاعل كيميائي مؤقت: الدوبامين، السيروتونين، الأوكسيتوسين، والكورتيزول.
هذه المواد لا تعني أن العاطفة حقيقية أو مزيفة، بل تعني أنها استجابة بيولوجية مبرمجة مسبقًا استنادًا إلى التجربة والسياق.
وهنا يظهر السؤال الأعمق:
هل هذه الاستجابات الكيميائية تمثل حقًا "ما نشعر به"، أم أن العقل فقط يستخدمها كوسيلة لإقناعنا بأننا نشعر؟
أليس من الممكن أن العقل نفسه هو من يصنع الشعور ليمنح ذاته مبررًا للاستمرار؟
نحن نضحك لأننا تعلمنا أن الضحك يعني الفرح، ونبكي لأننا تعلمنا أن البكاء دليل على الحزن.
لكن في بعض المواقف، نضحك من الخوف، ونبكي من الفرح، ونصمت حين ينهار كل شيء.
كل هذا يثبت أن الرابط بين الشعور والتعبير الجسدي ليس قانونًا ثابتًا، بل مجرد رمز، اتفق عليه العقل منذ زمن بعيد.
بل إن بعض المدارس النفسية الحديثة، مثل "البنائية العاطفية"، ترى أن المشاعر ليست فطرية، بل هي مفاهيم ذهنية تبنيها اللغة والثقافة والتجربة.
أي أن الإنسان لا يولد وهو يعرف الحزن أو الفرح، بل يتعلم كيف يشعر بهما، ثم يتصرف على أساس هذا التعلم.
العقل لا يحتمل الصمت.
يخاف من اللاحس، من اللاشعور، من اللاهدف.
فيخترع المشاعر، كي لا ينهار تحت وطأة السؤال: لماذا أنا هنا؟
المشاعر، إذًا، قد لا تكون دليلًا على أننا نعيش…
بل قد تكون خدعة عقلية ذكية تمنحنا وهم الحياة، في عالم لا يمنحنا سوى اللايقين.
"نحن لا نشعر لأننا نملك قلبًا… بل
نشعر لأن عقولنا لا تحتمل أن تبقى فارغة."

