رسائل لن تصل
أنا جالس في قلب الزحام، وسط صخب هذا العالم الذي لا ينام، حيث تلتقي أصوات الناس كأنها أمواج متلاطمة، لكن في داخلي سكونٌ عميق، فراغٌ كئيب، لا يملؤه إلا صدى غيابك، غيابٌ ترك في قلبي جرحًا ينزف بلا توقف.
يا عزيزي الذي لم يعد، ما أوجعني غيابك وما أعتصرني الحنين إليك، فأنت لم تغب عن المكان فقط، بل غادرت عالمي كله، تركتني أغرق في لوعة الوحدة، في طمية الألم التي لا تخمد ولا تهدأ، مثل رماد يتطاير في هواء حزين، يحمل معه كل أمنياتي التي تبخرت مع رحيلك.
كنت لي ظلي في حر الصيف، ودفء الشتاء، وبلسم الجراح، وراحة القلب في ليل السهر. غيابك صار لي كأنه حفرة واسعة بيني وبين الحياة، كلما حاولت أن أملأها بذكرياتنا، أغرق أكثر في بحر الحزن واللوعة، فأين أنت؟ وأين وعدك الذي رسمته بيننا؟ هل تاه في زحمة الأيام؟ أم أن الزمن فرقنا بلا عودة؟
لمحبوبي، ألن تعود؟ لقد طال الغياب حتى كاد الزمن أن ينسيني صوتك، ولكن قلبي يصرخ في صمت، يرفض النسيان، يتمسك بك كغصن شجرة لم يذبل بعد رغم الرياح العاتية. على عهدك أنا باقٍ، لا يثنيني غيابك، ولا يكسرني طول الانتظار، فالحب الذي زرعته في قلبي لم يمت، بل أصبح أقوى مع كل لحظة ألم.
كم تمنيت لو أن أثر الغائب يبقى كما كان، ظل لا يمحوه نسيم الريح، وصوت لا يخفت مع مرور الأيام، لكن ما أصعب أن تحيا وسط الناس، وتغوص في زحام الضحكات، وأنت تملك قلبًا يصرخ بشوق لا يسمعه إلا الصدى. أحن إليك كما تشتاق الأرض للمطر، وأتمنى أن تعود ولو للحظة، لتعيد إلى روحي السلام الذي ضاع مع رحيلك.
هل تعرف كم هو قاسي أن أظل أبحث عنك في كل وجهٍ يمر؟ أتنفس وجودك في كل نسمة هواء، وأرى غيابك في كل ظلمة ليل؟ يا من كنت لي كل شيء، أريدك أن تعلم أن قلبي لم ينسَك، وأن ذاكرتي تحفظك كما تحفظ الأرض بذورها، فلا تمحى، ولا تذبل.
وها أنا هنا، جالسًا وسط هذا الزحام الكبير، أعيش في عالم صغير، عالمٍ لا يسكنه إلا أنت، أنت الذي رحلت، لكن ظلّك باقي معي، يسكنني، يرافقني في كل خطوة، في كل نبضة، وفي كل حلمٍ لا يزال ينتظر عودتك.
يا عزيزي الذي لم يعد، سأظل على العهد مهما طال الغياب، مهما طال الليل، فأنا أؤمن أن للحب قوة لا تقهر، وأن بيننا رباطًا لا ينقطع، مهما تقطعنا، مهما بعدنا، سيظل قلبي يناديك، ينتظر عودتك التي طالما تمنيتها.

