في الفصحى الرابعة والأربعين
في الصفحة الرابعة والأربعين، كنتُ لا أبحث عن شيءٍ بعينه، فقط هارب من ضجيج المساء وخراب الداخل. الناس يتشاجرون، الأبواب تُصفق، والقلوب تصرخ بما لا يُقال. مددتُ يدي إلى كتابٍ قديم، مغطى بغبار الزمن، منتظرًا أن لا يقول شيئًا، فأنا لا أبحث عن قول، بل عن سكون.
لم يغرني اسمه، ولا غلافه، وكأنّه كتاب كتب على استحياء، كأنّه قرر أن يعيش منسياً كما نعيش نحن… لكن في الصفحة الرابعة والأربعين، كان الانفجار.
"كل نصرٍ لستَ فيه، هزيمة"
أتركك الآن وأمضي كجيش مهزوم لم يعد لديه شيء يقاتل من أجله…
يا الله، كم من الجيوش خرجت من قلبي، تقاتل من أجل شخص، من أجل وعد، ثم عادت بلا راية، ولا جنازة.
من قال إننا نربح حين نرحل؟ من قال إن الاستغناء دائمًا بطولة؟ أنا لم أربح يوم تركتك، أنا فقط نجوت من موتٍ طويل، لكني ما عشت بعدك.
أنا ذلك الفتى الذي ناضل لأجل فكرة، آمن بها حتى العظم، حتى قيل له: الحقيقة غير ما تظن. وكأنني قضيت عمري أحفر في البحر، لأثبت أن الرمل لا يغرق.
أجل… بعض الانتصارات، طعمها كالعلقم، تأتي على هيئة خلاص، لكنها تتركنا فراغًا.
كيف لي أن أفرح بعودتي من معركة، إن لم أجدك بانتظاري؟ كيف يصبح "الرحيل عنك" انتصارًا، وأنا في داخلي منهزم؟ أكتب هذه الكلمات، كأنها اعترافٌ متأخر: لم تكن المعركة ضدك، بل ضد الحنين إليك.
فكل نصر لا تكون فيه، هزيمة تسير على قدمين.
وفي النهاية…
معارك الحب مؤذية،
بقدر ما هي جميلة لمن خاضها،
حتى وإن لم أُحب يومًا،
إلا أنني أكتب عن الحب كمن نزف من جرحٍ لا يملكه،
كم هو غريب…
أن تكتب عن شعور، لا
تدركه.

